السبت، أبريل 07، 2012

عالم ما وراء المادة ....

من أعظم النتائج التي ترتبت على الكشف الجديد لطبيعة المادة الصلبة إزاحة النقاب عن تركيب الذرة , بعد تفكيكها وتقسيمها , ومن ثم اعتبارها كهارب سابحة , وبالتالي اكتشاف مبدأ الاهتزاز والتردد.
لقد أوضحت انا الفيزياء الحديثة أن الذرة بمفهومها الحديث هي عبارة عن مجموعات من الإلكترونات والبروتونات السابحة والمهتزة . فالقانون العام هو اهتزاز الذرة بما فيها , وهو الخاصية المشتركة لكل مستوى من مستويات الوجود . وإذا كانت الذرة عبارة عن موجات , فإن الكون برمته يتألف من موجات , وهذه الموجات على نوعين .

1-نوع معبأ يسمى المادة.
2- نوع غير معبأ ويسمى الإشعاع أو الضوء.
لم يكن الوصول إلى مبدأ الاهتزاز أهم ما في الامر , فقد رتبت الفيزياء على درجة الإهتزاز نتائج باهرة حين بينت أن كل شيء في الوجود يهتز ضمن رتبة وضمن موجة معينة , وأن الفارق في رتب هذا التردّد وطول الموجات هو كل فارق بين الموجودات .
فكل ما نلسمه أو نراه , أو نسمعه أو نشمه , أو نتذوقه , ليس سوى أثير في درجة اهتزاز معينة , إذ لا وجود في الأصل إلا لمادة واحدة بسيطة , تتولد منها كافة التركيبات الهيولية . وكل قوى الطبيعة صادرة عن ناموس واحد , متفنن في مفاعيله , يعمل من خلال مبدأ الحركة , لنقل هذا الشيء إلى شيء آخر , تماماً مثل الماء ترفعه من درجة السيولة إلى درجة البخار , وإلى درجة التجمد.

 ويرى العلامة "جينز" " أن ليس هناك إنشاء للمادة على أي نحو وإنما هي تحول من حالة إلى حالة .." كما ثبت تحول المادة إلى طاقة ومن ثم إلى إشعاع والإشعاع لا يفنى.
وليست نظرية الاهتزاز نظرية هامشية , بل إنها تقدم إلينا الاهتزاز كأصل للوجود , وعليه يتوقف خضوع الموجودات لإدراكنا وحواسنا , أو إفلاتها من دائرة الحواس . وقد اتضح أن حواسنا لا تدرك سوى جزء يسير من تموجات الكون , في حين يفلت كل ما عداها . يقول الدكتور "رؤوف عبيد" :
"إن كل ما في الكون المادي المنظور يتردد ضمن 34000 و64000 موجة في البوصة الواحدة . وهذه تمثل اهتزازات الطيف المنظور الذي يقع ما بين اهتزازات الاشعة دون الحمراء, والأشعة فوق البنفسجية. وبما أن كل شيء يهتز فإن له موجة , ولكل موجة طول معين , ويتوقف خضوع أي شيء لحواسنا على درجة اهتزازه وبالتالي موجته.

وكلما ازداد اهتزاز الشيء كلما إزداد رقة واكتسب شفافية , فاهتزازات الغازات أسرع من اهتزازات السوائل واهتزاز السوائل أسرع من اهتزاز المواد الصلبة . وهكذا.
ويترتي على ذلك أن خضوع أي شيء لحواسنا مرهون بدرجة تذبذبه , فالعين متلاً تتأثر ببعض الاشعاعات دون غيرها, فما تأثرت به اعتبرته عقولنا ضوءاً,, وما لم تتأثر به اعتبرته ظلاماً. وهي لا تتأثر باشعة الطيف الشمسي إلا بما يقع بين اللونين الأحمر والبنفسجي , فما نقص عن الأول في طول موجته ما زاد عن الثاني في طول موجته لا تتأثر به , وكذلك الأمر بالنسبة الى آذاننا , فإنها لا يمكن أن تلتقط أي صوت إلا إذا ترواحت ذبذبته بين 20 و 20000 ذبذبة في الثانية . وبعبارة إخرى. فإن آذاننا لا تدرك سوى أحد عشر سلماً ونصف السلالم الصوتية , أما بلايين السلالم الأخرى فلا تدرك منها شيئاًُ " .
( مفصل الإنسان روح لا جسد, الجزء الثاني , ص 209 و214)

ويقول " ول ديورانت" أن حقيقة الحرارة والضوء والكهرباء من حيث إنها تمثل مرحال المادة قبل أن تختفي في الاثير , بمعنى أنها بلغت بسرعة ترددها الحد الاقصى من تردد المادة . ولو تجاوزت هذه السرعة سرعة الضوء أي 168000 ميل في الثانية , أو إذا اعتمدنا القياس بالبوصة , أي إذا ارتفع اهتزازها فوق الـ 64000 في البوصة , أو انخفضما دون 34000 موجة في البوصة , لاختفت نهائيا عن حواسنا , ولكنها تبقى موجودة في مكان ما من رتب الوجود الهائلة.
لعل أعظم ما نخرج به من نظرية الاهتزاز أن نعلم مدى قصور حواسنا التي لا يمكن أن تصلح مدخلاً حقيقياً لأية معرفة حقيقة. وبالتالي فلنعود أنفسنا على ألا نعتبر كل وجود تطاله حواسنا هو الوجود الوحيد الحقيقي.

لقد سمحت هذه النظرية للعلماء أن يفترضوا وجود أكوان متداخلة مع بعضها, أي يخترق بعضها البعض الآخر دون أن يشعر أحدهما بوجود الآخر نظراً لتغاير رتبته في التردد.
وقد قرر العالم الكبير "جيفونيس"Jevons في مؤلفه " مبادىء العالم" " أنه قد يوجد هنا الآن كوكب غير منطور منا يخترق بمحيطاته وبحاره وأنهاره , وجباله ومدنه , وسكانه . عالمنا بما فيه من أجسام وكائنات تتجاوز في اهتزازها اهتزاز ما تقدر حواسنا على إدراكه".

 هذا إيجاز شديد لنظرية الاهتزاز , قد يتردد البعض في قبولها . لكن لو تصور أحدنا كيف أن عصا من الديناميت تتحول إلى غاز في جزء من خمسة وعشرين ألفاً من الثانية , أو فليتصور مروحة تدور بسرعة إلى حد تغيب معه عن أنظارنا فإذا أبطأت حركتها عادت إلى دائرة الرؤيا من جديد.
ومن المفيد القول  أن نظرية الاهتزاز , شانها شأن الكثير من الموضوعات العملية والروحية , ليست جديدة على المعارف الإنسانية , والجديد فقط هو إعادة اكتشافها بواسئط العلم التجريبي , بعد أن كانت طرحاً فلسفيا . وقد كان فيثاغورس قرر هذه الحقيقة الخطيرة حين قال " إن كل ما في الكون يتذبذب سواء أكان منظوراً أم غير منظور ".

 أما عن مدى اهمية هذه النظرية فإنها قلبت فكرتنا القديمة عن المادة الفيزيقية رأساً على عقب , وفتحت لنا المجال كي نؤسس فهماً صحيحاً لعالم المادة , ليس أقله كشف امكانية التحول والتبادل بين كل من المادة والطاقة , وإن كمية هذه وتلك ثابتة ضمن ما عرف بمبدأ " حفظ الطاقة"هذه الطاقة التي اتضح أنها يمكن أن توجد في أشكال متنوعة دون أن تفنى . بل تتحول من شكل إلى آخر.
فتصور ما يبحه لنا هذا الفهم . من مركز ممتاز لإطلاق شتى التصورات والنتائج, بدءاً بما بدأه رجال العلم من زمن بعيد , بامكانية استعادة الاصوات السابحة في عظمة الفضاء, دون أن تختلط أو تنمحي معالمها وبصماتها . ليس هذا مجرد تصور أو حلم فقد بدأ العلماء فعلاً في استحداث أجهزة خاصة لهذا الغرض.

 ومما يندرج تحت هذا الفهم نظرية أينشتين في النسبية التي علمتنا أن كل ما في الكون نسبي بحكم حواسنا وظروفنا , وغيرت فكرتنا عن المكان المطلق والزمان المطلق , فالزمن يتغير لو تخلصنا نت شروط حياتنا المادية , إذ لو وُجدنا في مكان مستقل لا يربطنا بجاذبية الأرض وقوانينها , فلا نعود نرى عند ذلك سوى اللازمن أي الإحساس بالحالة الراهنة الدائمة . وقد يكون أهم ما نعلمه هو مدى قصور معارفنا , إذاً فلنقنع , كما قال أحدهم بــ" انه بالنسبة لما ينبغي معرفته للإمساك بمفتاح هذا العالم , سيوجد دائماً بنفس المكان جهل مركزي" .
يبقى أن ما نحتاجه من نظرية الاثير أنها كانت أول خطوة للبحث عن عوالم ما وراء المادة .

ليست هناك تعليقات: