السبت، أكتوبر 20، 2012

التحدي الكبير ...



مشكلة الكراهية هشّة جدا لذلك أنت لا تستطيع عمل شئ حيالها , مجرد شروعك بعمل ما تجاه كراهيتك يعني بأنك قد بدأت تكره كراهيتك , الآلية حساسة جدا , يستطيع المرء أن يغضب من غضبه و أن يكره كراهيته , أنت بهذا تحاربها , لكنك لن تنتصر أبدا لأنك دون أن تدرك , انتقلت بها إلى مستوى أعمق , درجة جديدة . 
ببساطة , لا تفعل أي شيئ , فقط أدرك ماهية كراهيتك , كلما شعرت بالكراهية كن واعيا لوجودها , لا تتهرب منها , و تذكر أنه حتى مبادرتك بعمل ما تجاهها قد يصير هروبا . 
إن كنت غاضبا و قمت بشئ ما حيال غضبك فأنت تتجاهل هذا الغضب بحد ذاته و تنشغل بالعمل ضده عوضا عن ذلك , تغيرت الرؤية : اختفى وعيي لغضبي و حل مكانه السعي لمواجهة الغضب , هذا امر سئ , طريقة خاطئة ستودي بك إلى كبت غضبك .  
إن شعرت بالكره , الغضب , الجشع أو أي من هذا فلا تحاول أن تجابه شعورك بعمل فوري , فلتكتفي مؤقتا بقدرتك على وعي هذا الإحساس , أدركه في البداية , شاهد بشاعته , سُميته , شاهد حقيقة تكوينه . 
حالما ترى الكره بكليته فإنه سيذوي وحده , يستمر الكره فقط إن عجزتَ عن معرفته ككل . 
الأمر أشبه بأفعى صادفتها في دربك , حالما تدرك وجودها ستقفز مبتعدا , القفزة لم تكن أمرا مدروسا , أنت لم تخطط لها  , لم تقرر أو تخترالقفز ابتعادا , حدثت بشكل تلقائي . 
إدراك وجود الأفعى و حدوث القفزة أمران مرتبطان , الأول يولد الثاني , كذلك حين تعي الكره الكامن فيك , ستقفز عفويا , لا حاجة للتخطيط . 
أول ما عليك تذكره هو هذا : دعك من الإدانة , ركز على تنمية وعيك لواقع وجود الكره  , حالما يظهر , أدرك وجوده , تأمل فيه . 
الأمر الثاني الأكثر دقة هو طريقة تفكيرك "أنا أشعر بالكره في داخلي , أشعر بالغضب و الجشع و الأنانية " , هذا التفكير هو حيلة متقنة يصنعها دماغك , خدعة ماكرة جدا , لأنك حينها و بطريقة حاذقة قد فصلت بين نفسك و بين الكره , أنت تقول : " أرى كرها فيّ , أرى جشعا , الجشع حالة فيّ و ليست أنا, أنا لست جشعا , أنا لست كارها , أنا لست غَضِبا , هذه أمور عارضة , غريبة عني لكنها الآن في داخلي "





هكذا يفكر العقل و هكذا تخدعنا اللغة , اللغة تقول " أَحمِلُ غضبا في داخلي " لكن الواقع مختلف , حين تكون غاضبا فليس الغضب جزءا منك أو فيك , أنت الكره , لا يمكن وجود كينونتين في ذات الوقت معا , واحدة فقط , إما الكره أو أنت , لا يمكن لكليكما التواجد سوية .
وجودك يعني ذوبان الكره , وجود الكره يلغي وجودك .  
اجعل لاستيعابك خطا وجوديا لا لغويا ,اللغة تخلق العديد من المشاكل و باعتمادنا عليها فنحن نتخذ سلوكا غير واقعي تجاه الأحداث .
إذا كنت غاضبا – على سبيل المثال – فليس هنالك "أناً" للغاضب , هناك فقط الغضب , أنت تماهيت فيه , لم تعد أنت .
توجه نحو المسألة بشكل وجودي , حين يكون الكره كن واعيا فيما إذا كان وحده أو كنت معه , آنذاك ستشعر بتغير عميق ينتاب وعيك , حالما تدرك إن كانت هذه كينونتك أم كينونة الغضب سيأخذ وعيك بالتنامي ومع ازدياد الوعي يتضاءل الكره , لا يتعايش الاثنان معا , الكره ممكن فقط حين يكون الشخص راكنا إلى لاوعيه , غير مدرك , غير مفكر , غير متيقظ .
حين يرحل الكره , الغضب , العنف , و تبدأ باسترجاع  تلك الحالات فإنها ستتحول إلى جزء من ذاكرتك , الآن يمكنك فصل نفسك عنها , ستنفصل عن الغضب و الغضب سينفصل عنك , الآن هو جزء من ذكرياتك .
هذا بالتحديد ما يدعم الخطأ اللغوي الذي كنت أتحدث عنه : تجربتك .
منذ لحظة كنتَ غاضبا و الآن لم تعد كذلك , تلاشى الغضب , الآن أنت شئ و الغضب شئ آخر مختلف تماما , الغضب أصبح أمرا حصل في الماضي , تلقائيا أصبح للمعادلة عنصران : الغضب في ذاكرتك و أنت .
ولكن في فعل الغضب بحد ذاته لم يكن هنالك إلا أنت, عنصر واحد , أنت كنت غاضبا . و إذاً , كلما تواجدت الكراهية اشعر بها بعمق , أدركها  , أنت أصبحت الكره , أنت الكره , هذا الوعي سيغير المعادلة بأسرها .
يوم تحوز هذا الإدراك سيتلاشى غضبك لأنك لم تعد قادرا على التعايش مع الكره أو الغضب أو الجشع , الإدراك يعني عقلا واعيا , أما الكره و الغضب و الجشع فإنها تعتاش فقط في عقل غافل , غارق في لاوعيه .
كن أكثر تيقظا ولا تفكر بالماضي لأن ذلك عديم النفع , مجرد إهدار لطاقتك .
في حضور الغضب أو الكره , في تلك اللحظة بالذات , أغلق عينيك و تأمل , هل الوجود لك ؟ أم للغضب ؟ إدراكك الأول سيكون أن الغضب وحده موجود هناك , أين أنت ؟ كل طاقتك استحالت غضبا , استحالت كراهية

ليست هناك تعليقات: