الخميس، فبراير 14، 2013

تعاليم الكارما ....



إن "الكارما" هي من الكلمات التي يكثر ذكرها ويقل فهمها.
فغالباً ما تستخدم هذه الكلمة للإشارة الى قدر ما  أو ظاهرةٍ روحية معينة ،علماً  أن الكارما هي إلا حدث روحي وفيزيائي بإمتياز.

لقد أتت هذه الكلمة قديماً من بلاد الصين ، وهي تعني "العمل" الذي ينتج عن هذه الحركة الكونية اللامتناهية المحكومة بمفاعيل "الين" و "اليانغ" لهذا النظام الكوني الموحد  حيث أدخلت لاحقاً الى المعتقدات الأساسية "للفيدانتا" وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الديانات الهندوسية والبودية.

وبما أن "الكارما" محكومة بمفاعيل "الين" و "اليانغ " يستطيع الإنسان القول أنه قادر على التغيير في مفاعيل "الين" و"اليانغ" من خلال التحكم بالنوايا ...
وتناوله أطعمة أكثر "ين" أو "أكثر "يانغ " أو بإتباع عملٍ يتطلب جهداً عالياً من النشاط الجسدي ..
لكن لن يكون باستطاعته التغيير في "الين الكبيرة" و "اليانغ الكبيرة" كالدورة الكونية للنجوم والكواكب والمجرات ، الطقس ، الليل والنهار، الولادة والموت، التقمص أو الولادة التالية .
يترتب على كل عمل نقوم به أو قرار نشارك بصنعه سلسلةً من ردات الفعل التي يتحدد بها مستقبل حاضرنا أو القدر الذي ينتظرنا. ولكن هذه "الكارما" ستكون بمعناها الصغير لهذا النظام الكوني الموحد الذي نحن لسنا إلا جزءا صغيرا  منه.

ففي الصين ، يعتبرون كلمة "السبب" أو "الأصل" هي الوصف الأدق الذي يعود إليه المبدأ الأساسي "للكارما" أو ال " إن-إن" أما في البوذية مثلاً ، فإذا كنت تمشي في الشارع وصادفت أحداً تعرفه ، فسيعتبر هذا "كارما" علماً ، أن "للكارما" مفاعيل طويلة الأمد ، فقد تتطلب هذه الظاهرة في بعض الأحيان مرور أجيالٍ وأجيال ، أو عدة حيوات أو آلاف السنين على مسببات هذه النيات أو هذه الأعمال السابقة ، بغض النظر عن حسناتها  أو سيئاتها التي سوف ترتد حكماً على الأشخاص المعنيين أو على أفراد العائلة الواحدة .

فإذا أصابك مرض أليم أو حادث مفجع ، فاعلم أن هذا كان من المقدر لك، وما يحصل لك الآن يعود لسبب ما له صلة بماضيك أو عالمك السابق . إنها نتيجة تراكمات لأفعال ارتكبت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من قبلك أو لها صلة بأبويك أو أجدادك في حيوات سابقة لن يتذكرها عقلنا البشري هذا.

إن العالم الروحي مليء ومفعم بالذبذبات التي تتناقل وتطوف بحساسية فائقة. فكثيراً ما تتحول نوايانا الى أفكار  وتصورات ، وبغض النظر عن إيجابية أو سلبية هذه الأفكار ، فإنها تنطلق كتموجات ذبذبية في هذا العالم الروحي المحكوم بالنظام الكوني الموحد  الذي نحن جزأً لا يتجزء منه. فبهذا ستكون نوايانا وأفكارنا هي التي تتسبب بصنع هذه "الكارما" .....
فإذا كان نجاحك مثلاً في هذه الحياة مبني على مآسي ومعاناة الغير ، فسترتد عليك هذه "الكارما" في مرحلة من مراحل حياتك اللانهائية لتصحح هذا الخلل الحاصل في الميزان الكوني الموحد لهذا الوجود .
وهناك سلسلة طويلة من هذه الأمثلة أو هذه الأحداث التي يمكننا أخذ العبر منها من خلال كتب التاريخ : مثل تاريخ الشعب الأوروبي الذي أنتج الكثير الكثير من الحروب القاتلة والمدمرة التي كان سببها الرئيسي في معظم الوقت المزيد من المال والسلطة ، تاركين وراءهم الكثير الكثير من "الكارما التي ما زالت ترتد على البشرية جمعاء بالبؤس والتعاسة الى يومنا هذا.

فإذا عاملت أحد أبويك مثلاً معاملة سيئة ، سيعاملك أحد أولادك مستقبلاً بالمثل .
فكل من يترك في حياته أعمالاً تتسبب بخللٍ ما في الميزان الكوني الموحد لهذا الوجود أو يغض النظر عن كل ما هو عادل ومحق بالنسبة لنظام هذا الكون سيعود الى هذا العالم مرات عدة الى أن يمحو أو يبطل هذه "الكارما" التي سببها لنفسه.

إن الإرتقاء بمستوى عال من الوعيٍ الكوني واليقظة الضميرية سيساعدنا حتماً على تبديد الكثير من الأوهام والمعتقدات الخاطئة التي قد تحملنا وزراً ثقيلاً من "الكارما" السلبية.
إلا أن الصبر والتعالي عن صغائر الأمور البشرية والأرضية الآخرى ستؤدي الى إبطال "كارما" سلبية سابقة أو الى تحييد "كارما" لاحقة مشاركين بشكل أساسي وفعال في صنع "كارما" إيجابية مما سينعكس على البشرية جمعاء بالصحة والسلام والسعادة الأبدية. لأن الإساءة لا تنتهي بالإساءة.

هناك عدة طرق آخرى لإبطال أو تحييد هذه الكارما السلبية وإكتساب قدرات أكبر في التحكم وتقرير مستقبل حاضرنا أو قدرنا منها التحلي بالحكمة والتعقل كما ذكرنا سابقاً، وأضف الى ذلك كل الممارسات الروحية الآخرى التي تكشفه لنا هذه الرحلة الروحية الداخلية "التأمل" التي سبق وأن تعرفنا عليها ضمن فصول سابقة من هذا الكتاب.

فمن المهم والضروري أن نغير أنفسنا من خلال تغيير ما في قلوبنا وأفكارنا.
كما أن أفضل خطوة نستطيع البدء بإتخاذها هو التعرف على مفاعيل "نظام هذا الكون" أي "الين واليانغ" وإتباع الطرق الصحية والسليمة "الماكروبيوتيك" في تناولنا لمختلف أنواع الأغذية الروحية والجسدية في حياتنا اليومية.

إن هذه الأرض مغلفة حالياً بالكثير من الكارما السيئة والأوهام بشكل لم يسبق له مثيل. 
فهناك غيمة ملبدة وكثيفة من هذه الذبذبات السلبية واللعنات التي تحيط بعالمنا المادي والروحي .
فمع تكثف هذه الذبذبات السلبية تكوٌن حجاب مطبق من الأوهام والتلوث الذبذبي الذي يلف كوكبنا هذا مما سيؤدي لاحقاً الى تحويله الى جحيم حقيقي.

فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :
هل هناك حلولٌ لهذه المشكلة التي أنتجتها أو سببتها هذه الكائنات البشرية لهذا العالم ؟ 
الجواب : هو نعم .
 فهناك حلان لهذه المشكلة الوجودية حيث لا ثالث لهما:

1) إن الحل الأول يتمثل بتطهير الأرض من تراكمات كل هذه الذبذبات السلبية عبر حصول دمار شامل يطهر هذه الأرض بمعظمها من عنصرها البشري.

2)  أما الحل الثاني والآخير فيتمثل بتطهير أنفسنا من الأوهام والذبذبات السلبية عبر إنفتاحنا الكلي وتحولنا الداخلي الى حياة أكثر وعياً من خلال جهدٍ فردي وعمل جادٍ ودؤوبٍ يخصصه المرء لنفسه لإكتشاف ونمو وتطوير قلبه وفكره البشري ضمن هذا الوجود الأزلي – الأبدي - المطلق الذي لا يعرف الركود ولا يعرف النهاية. إنه هذا النظام الكوني الذي يجب أن نتعرف اليه أكثر وأكثر لنتزامن مع أبعاده المثيرة من خلال تجاربنا الروحية والمادية معاً.

فإن إنتشار المفاهيم الماكروبيوتيكية أو الكونية لطريقة التغذية وتحقيق الذات في هذه المرحلة المفصلية من حياتنا سيؤدي الى تبديد هذا الحجاب المؤلف من الذبذبات السلبية والأوهام وسيحل مكانها ذبذبات روحية إيجابية أكثر شفافية ونقاوة محولةً عالمنا هذا من جحيم الى جنة حقيقية. وكلما أستمرينا في مساعدة الآخرين، سيرتفع وعينا ويسمو الى أن نصل الى مرتبة عالية من الوعي الكوني .
عندها سنكون قادرين على تحرير أنفسنا من أي تعلق أرضي ومحو أو إبطال أي "كارما" فردية سابقة أو لاحقة والتخرج من هذه المرحلة الكونية من حياتنا هذه.

إن مفهوم "الكارما" يسبب إرباكاً عند الكثيرين ، فهناك الكثيرون الذين يعتقدون أن "الكارما" هي نوع من العقاب أو الجزاء الذي يناله المرء مقابل خطيئة ما كان قد إرتكبها من قبل أو في حياةٍ سابقة. إن هذا وهم ومفهوم خاطىء.
ففي هذا الكون ليس هناك خطيئة كما أنه ليس هناك عقاب.
كل ما في الأمر ، 
أننا نحصد نتيجة ما نزرع.
نعم ...
إنها رحلةً متعددة الأبعاد ...
معها نطوف بشكل تموجات لولبية الى أن نصل الى اللانهاية.
إنها ليست إلا إحدى المراحل التي من خلالها نختبر أبعادها لننمو ونتطور الى أن نتخرج منها ونتقدم الى مرحلةٍ متممةٍ لها وبالتالي مختلفةٍ عنها....
فإذا لم نفهم المعنى الحقيقي لهذه التجربة المقدٌر لها في نهاية المطاف أن تتكلل بالنجاح 
علينا معاودة هذه التجربة وإكمال هذا الإختبار الى أن ننجح ونتخرج منها بفرحٍ وسلام .
فمع وجود كل هذه الأبعاد الكونية ، يفقد مفهوم الزمان والمكان معناه الحقيقي ، لأننا شئنا أم أبينا سنطوف ونطوف من خلال هذا النظام الكوني الموحد الى ما لا نهاية.

فكل الأعراف والشرائع والدساتير والأنظمة الأرضية هي ليست إلا كناية عن تركيبة وهمية قابلة للتغيير مع مرور الزمان أو تبديل المكان .
أما النظام الكوني الموحد فهو نظام الله الحقيقي الذي لا يستطيع أن يحده أو يضبطه أي زمان .. أو مكان...
أو أي مخلوق 
أو إنسان  ...

ليست هناك تعليقات: