الاثنين، يونيو 27، 2011

ماذا اختبرت بالحبس يا أوشو ..؟


إنّ السّجون في أمريكا علّمتني الحياة المظلمة والظالمة وعلّمتني الرحمة والمحبّة.. لقد "جرجروني" إلى عدّة دهاليز بدون أي سبب أو جريمة...

ولكن الصّدق هو جريمة وكذلك السّلام والحقيقة وأيضاً الصّمت والتأمل..


والصّدق أكبر خطيئة في العالم ولأجلها حبسوني وعذبوني... ولكن الصّعوبة والمفاجأة كانت من ردّة فعل السُجّان حيث قالوا:"ألوف من المساجين مرّوا في هذه السجون ولكن أنت مميّز بالسكينة والهدوء بالرغم من معاملتنا لك.. حاولنا أن ننتهك حريتك ونرهق صمتك ولكنك كنت بحالة غريبة من المشاهدة والفرح"...



هذه الحالة لأصحاب الشّهادة وهي أبعد من فهم أهل الدّنيا، أهل الشّريعة والسّلطة والقانون... وعندما تسألني الصّحافة: "كيف حالك؟" جوابي دائماً بأنني أشهد والشّاهد لا يتغيّر. هذه الحقيقة أبعد من وعي وإدراك الصّحافة الأمريكية التي تفرّق بين السّجن والشّارع والبيت والقصر والغني والفقير... القانون لا يرى الحيّ بل الموتى مع الأموات، ولذلك يقول المسيح دعوا الأموات يدفنون بعضهم البعض وتعالوا معي لنتعرف على الحيّ الذي يحيا فينا ونحن نحيا به ومعه للأبد...



نعم الفرق كبير بين السّجن وخارجه ولكنني أتحدّث عن نفسي لا عن السّجن.. إنني لا زلت كما وُجدت بالرغم من القيود التي كبّلت يديّ وسأبقى كما أنا بعدما أتحرّر من القيود ومن الجسد... كيف تستطيع قطعة الحديد أو الحائط أن تُغيّر ما بداخلي؟



عندما تركت الحبس الأخير قال لي المسؤول: "هذا اختبار فريد في حياتي.. لقد رأيت الكثير من السّجناء قبل وبعد دخولهم إلى السّجن يتغيّرون ويتبدّلون ولكن أنت الوحيد لم تتغيّر وما هو هذا السرّ؟" فقلت له:"هذه هي جريمتي... إنني أُعَلِّمُ الناس ما أختبرت فيَّ...



جميع حكومات العالم ترفض العلم والوعي للبشر لأن هذا السرّ هو النّور الذي يساعدنا بأن نرى الجواهر في حياتنا، وعند ذلك نتحرّر من أي سلطة بشرية ولا خوف لا من الموت ولا من الحرب ولا من الفقر ولا من الجوع ولا من أي سيف يهدّد وجودنا، لأن من عرف نفسه تحرّر من جهل الجهلاء ومن سلطة أهل البلاء…أأ



إن السّلطة المزيّفة تمنعك من المعرفة... من مصلحتها أن تبقى عبداً لها وهذا ما نراه من أهل السّياسة والدين والمال... كل دين له قيوده وعقائده وشرائع مشرّعة لخدمة التجّار بإسم الله والأنبياء وكذلك رجال السياسة والكراسي والمصلحة المشتركة هي التي تدوم وتدوم على الناس الحرام وهم الأكثرية الساحقة والمسحوقة...



إذا تعرّفت على نفسك مات الوسيط الذي بينك وبين الله... وتذكّر التاريخ منذ آدم حتى اليوم ماذا فعلنا بالأنبياء وبالأولياء وبالحكماء وبالخلفاء؟ أهل السّلطة هم أهل الفائدة... وعبيد المادّة...



لماذا قتلنا سقراط؟ لأنه كان يعلّم الناس عن النّفس والذات والروح.. كان يحرّرهم من الكذب والنفاق.. ولكن تُجّار الأخلاق والفضيلة شعروا بهذا الخطر على مصالحهم وأمروا بقتله... لذلك لا تسأل كيف الحال؟ بل إسأل "هل أدركت وتعرّفت على الثّابت الذي لا يتغيّر؟" النّفس تتغيّر ولكن الرّوح ثابتة مع الثّابت الأكبر وهي أبعد من أيّ إدراك فكري أو عقلي ولا يعرفها إلا الذي خَلقَها... نحن من روح الله...



الجسد من طين وتراب وماء ونار ومعدن وهواء وجميع أسرار الأرض والسماء، ولكن السّاجد في الجسد هو سرّ إلهي لا يعرفه إلا خالقه... وفي هذا السرّ طبقات من الأنفس تتعرف عليها الذات المقدّسة، ومن الذات نتّصل بحبل الله وهذا الإعتصام هو سرّ من أسرار الإنسان القوّام... وخلقنا في أجمل وأحسن تقويم...



هذه هي رسالة الأنبياء إلى البشر... "إعرف نفسك تعرف ربّك"...



المفتاح هو العطش إلى المعرفة، وطوبى للعطشانين إلى الحق... نبدأ بالجسد لأنه الملموس والمنظور ولجسدك عليك حق... وفي كل خطوة نتقرب إلى الرّب وإلى المعرفة الكونية السّاكنة في الكائن الكوني...



هؤلاء الناس هم نخبة النخبة وهم ملح الأرض ونور العالم.. لنكن من هذه الجماعة لأن الله مع الجماعة... الجماعة التي تحيا السرّ الإلهي والمغزى والمعنى الروحي لوجودنا مع الوجود... هذا هو الكائن الحرّ مع نفسه ومع الله...



من "كتاب السيف"

ليست هناك تعليقات: