الجمعة، يناير 14، 2011

حوار مع كمال جنبلاط



سؤال : تتكلم عن الإنسان كمطلق هل هذا هو السبب في عبارة ( ذاك – أنت – تكون )و التي يدعون الإنسان للتأمل فيها ؟ لكي يجعلوه يدرك أنه هو المطلق ؟

نعم لأن المطلق هو أنت و أنت المطلق دون أن تدري .

سؤال : كيف لي أن أعلم هذا ؟

لن تتعرفه من خلال العقل و التفكير المرتبك و لكن من خلال التطلع المباشر إلى الذات ( التأمل في أعماق الذات ) و بحدس مباشر و بمعونة معلم أو حكيم يساعدك على إدراك الحقيقة . عندها تعلم أنك هو المطلق و أن المطلق هو كل شيء و بهذا المعنى أنت و أنا واحد , بهذا المعنى قال يسوع ( أنا و أبي واحد ) .

سؤال : الآن تتكلم عن يسوع و من الصعب الاستيعاب أن كل إنسان قادر ( أو لديه القدرة ) على الوصول إلى هذا الإدراك ؟

كل إنسان لديه القدرة ليكون المسيح لأن كل إنسان هو مسيح في أعماق ذاته . قد لا يدرك هذا , و قد لا يعرفه أبداً أو قد يستغرق ذلك عدة أدوار أو أجيال من الولادة و الموت ( من خلال التقمص ) ليتوصل إلى هذه الحقيقة . و لكن الإنسان الحقيقي الأنا الجوهرية هي هناك موجودة و يوجد عندنا هذا الوهم الذي نسميه العالم المحسوس , هذا العالم الذي خلقناه بعقولنا , و حواسنا و عواطفنا سيسقط و الأنا الجوهرية الحقيقية ستقف ستظهر في النور الكامل الإشعاع ( التام الإشعاع ) .

سؤال : إذا يظهر أن هناك خسارة عظيمة للأرواح التي لم تحقق هذا الإدراك ؟

هذا ما قاله القديس بولس بوضوح : الأب ينتظر ظهور أبناء الله .

سؤال : و لماذا لم يظهروا حتى الآن ؟

لأن التعاليم الخفية ( أي ما كان خصوصياً ) و التي كانت أصل جميع التعاليم لم تصل إليهم .

سؤال : ماذا تعني بالتعاليم الخفية ؟

تعاليم الحكمة و المعرفة و من الضروري وجود المرشد و المعلم إذ بدون هذا المرشد لا توجد درب و لا طريق للحقيقة .

سؤال : يقال أنه إذا أردنا أن نسعى و أدركنا هذه الحقيقة المطلقة نصل إلى الفرح الخالص ( الصافي ) ؟

الفرح ( السعادة ) هو كنهنا طبيعتنا الحقيقية نحن نسعى ( ننجذب) نحو الأشياء السعيدة و حين نصل إليها نرى أن السعادة ليست فيها حقيقة إنما فينا نحن . لذا فالفرح هو في حقيقتنا نحن. قد يظهر كمرح و لذة و لكن الفرح ( السعادة) ليس مرتهنا بسبب ليس له سبب . إنه كالوجود نفسه . و الوجود لا سبب له إنه كالوعي . ليس له مسبب , ليست له بداية و لا نهاية . الفرح هو صميم وجودنا و هذا هو ثالوث التوحيد الحقيقي ( الوجود – الوعي – الفرح ( السعادة )هذه هي الحقيقة المطلقة ذاتها و بذاتها .

سؤال : إذا ما هو عالم الخلق ( أو المخلوقات ) ؟

العالم الظاهر الذي نراه بالحقيقة لا وجود له . كل هذه الأشكال قد خلقها عقلنا و علاقات الحواس و من جهة أخرى تفاعلات كل هذه العوامل . إذن فخصائص هذا العالم هي ذاتية ذهنية (شخصية ) و لا وجود لها بحد ذاتها . و بهذا المعنى أكون أنا خالق العالم الوهمي و أنا الذي أصنع هذه المخلوقات الذهنية .

و من الوجهة العلمية إذا أرجعنا كل شيء إلى مادته الأساسية نصل إلى فراغ مليء بكل الاحتمالات . إنه ليس العدم إنه شيء فوق الأسماء , يحتوي كل احتمالات الوجود . يستطيع العلماء القول إن هذا ما هو إلا الطاقة الصافية ( المحضة ) و إنها تظهر بشكل كميات و جزئيات و ذرات حتى حياتنا هي كم من الطاقة . و على هذا يستطيع العلماء القول أن الأشياء الظاهرة ليست حقيقية إطلاقاً و لكنهم لا يستطيعون القول ما هي الحقيقة النهائية لهذا الفراغ , هذا اللاشيء الذي يحتوي كل احتمالات الوجود .

سؤال : و ما هي الحقيقة النهائية ؟

المطلق , الوعي المحض , الأنا الجوهرية , كل شيء هو الوعي هو النور .

سؤال : من هذا المنطلق ما هي الغاية من حياة الإنسان ؟

غايتنا أن ندرك الحقيقة , ندرك حقيقة الضوء من خلال ظلمتنا فكل الخلق كما يقول القرآن( ظلام فوق ظلام ) حجاب كثيف يخفينا عن الحقيقة . و لكن عندما يتخلص الإنسان من ظلماته , عندما يزيل من نفسه الحجاب عن الحقيقة المطلقة فإنه يقف في النور حراً من ذاته , حراً من فرديته و من أي قيد أو علاقة في هذا العالم أو أية عوالم أخرى حراً من الألم من الموت . لأن الأنا الجوهرية بعكس الأنا الجسدية لا تولد و لا تموت و بهذا المعنى الموت تسمية خاطئة لأنه لا يوجد .

غايتنا أن نتحرر أن نصبح الفرح ذاته الوعي المحض النور الصافي .

سؤال : كيف عرفنا كيفية الوصول إلى الحقيقة ؟

طالما أنت على مستوى العالم المادي أنت بحاجة للدين للتأمل لليوغا و لكن عندما تصبح مستعداً فعلاً فأنتَ ستحتاج فقط لمعلم ( عارف أو مرشد ) لأن الوصول إلى هذه الحقيقة مستحيل بدون المساعدة المباشرة من معلم .

سؤال : ما هو التأمل و كيف يتأمل الإنسان ؟

للتأمل طريقتان : إما بالتركيز على ظاهرة عقلية ( فكرية ) مثل الله . المسيح الذين هم بذاتهم ظواهر عقلية أو بالاسترخاء العقلي و هذه هي الطريقة الأفضل فباسترخاء العقل الذي يمنعك بادئ الأمر من معرفة الحقيقة , ثم تخف أعمالك العقلية لدرجة يصبح لديك عقل بلا أفكار .

عندها تكون تتأمل لأنك تصبح لوحدك مع نفسك .

فأنت في هذه الحالة ( الأنا الجوهرية ) دون أي حجاب بينك و بين نفسك عندها تصل إلى مستوى الوعي المحض للمطلق .

سؤال : ما هي الطرق الأخرى للوصول إليه ؟

في الصوفية هناك طرق ( دروب ) مختلفة تقودك إليه . طريق العشق و التفاني في العبادة و هي طريقة تطهير تقودك عبر القلب إلى الأجواء القدسية . و هناك طريق أخر , اليوغا التي عبر التمارين و السيطرة على النفس ( التنفس ) و ترداد بعض الآيات تقودك لملاشاة النشاط الذهني . و الدين نفسه يهيء الأجواء إذ عندما تصلي تكون تركز تفكيرك على أشياء ذهنية . الدين يعطيك قوانين مثالية أخلاقية تلجم أنانيتك ( فرديتك) فتتطهر لأن الخطيئة الوحيدة الأساسية ( الأصلية ) هي خطيئة الأنانية . و لا توجد خطيئة أصلية غيرها .

و هكذا من خلال التأمل – الدين – التعبد و التفاني – والكارما يوغا أي الحياة و العمل في العالم دون اشتهاء أو حرص نصبح مستعدين و عندها تحتاج فقط إلى معلم ( عارف أو مرشد) ليعطينا المعرفة . المعرفة أو الحكمة هي الطلب الأخير لكل وجودنا و إنها المساعدة القصوى التي نحتاجها .

و ليس بإمكانك من خلال فكرك أن تفهم الحكمة من المعلم أو الحكيم لأنه في حضرة الحكيم يكون عقلك في حالة هدوء تام و كأنك في نوم عميق . لا تعي جسدك أبداً لكن المطلق في الحكيم يحاور المطلق فيك . و عندما يكتشف أحدهما الآخر يتحدان و يصبحان واحداً .

سؤال : كيف تصف الحكيم أو المعلم ( العارف أو المرشد ) ؟

عندما ترى الحكماء تدرك أنهم الله في لحم و دم . رؤيتهم تُظهر لك الألوهية فيك . إنهم أطهار تماماً بدون أية سحابة أو تحفظ إنهم لا شيء إلا عفوية محضة للوجود المحض .

سؤال : هل تستطيع وصف هذا الاختبار هذه الحقيقة المعرفة ؟

الحقيقة فوق الوصف بالكلمات أو التعابير الذهنية . و لا يمكن وضعها بمستوى هذا العالم إنها فوق العالم المخلوق هذا . عندما نعرف الحقيقة يختفي العالم , عندما تكون في الحقيقة تتحد بها كلياً فأنت الحقيقة و ليس لك إلا الحقيقة نفسها , المطلق ذاته بكل روعته وعي محض , وجود محض . كل العالم يصبح الحقيقة و هكذا كل الأشكال تختفي من العالم .

سؤال : إذا استطعنا الهبوط من هذه الأجواء العلوية للحظة كيف يؤثر كل هذا على عملك الوفير في السياسة مثلاً ؟


أولاً ليس عملاً وفيراً لأني لا أعمل كثيراً في السياسة . قد يظهر للمراقبين كذلك و لكن بالفعل أنا لا أصرف أكثر من نصف وقتي في هذا الحقل . نادراً ما أتكلم في السياسة بعد السابعة مساء و أنام باكراً و حتى الساعة التاسعة صباحاً من اليوم التالي لأعود لمتابعة أعمالي و استقبالي للناس.

و بما أنني غير مكترث و مسترخ فإنني أستطيع أن أعمل أكثر من أي سياسي أخر أو لربما أكثر من كل السياسيين مجتمعين . إذا اشتغلت بدون تعلق و هدوء و صفاء تعمل أفضل و تلقى نتائج أفضل . العمل هو علاقة بين ذاتك و بين الموضوع الذي تعمل عليه . فإذا نظرت إلى هذه العلاقة دون حرص دون أن تضع نفسك فيها ستقوم عندها بالعمل بذهن مستقر هادئ ( صاف) و بدون أي انغماس تحركه العاطفة ستعمل من أجل العمل ذاته لا من أجل منفعة تنشدها من ورائه . و العمل المنجز بكل موضوعية ينجز بشكل أفضل و تكون نتائجه أفضل .

سؤال : هل للقيم مكان في حقل السياسة ؟

نعم لها مكان لأن هذه القيم ولدت بالثنائية الموجودة في العالم هذه القيم هي وليدة مجتمعنا سياستنا و حياتنا الدينية هذه القيم لا توجد في المطلق إنها مرتبطة بتطور المجتمع و لكن الناس لم تعد تريد القيم تريد أن تتحرر . تتحرر من ماذا ؟ لا أعرف لكنهم إذا ما بدأوا البحث عن طريق للتحرر من ذواتهم الصغيرة فلربما سيجدون عندها أنه من الجدير بهم في هذه الحياة أن يناضلوا من أجل بعض القيم أيضا .

سؤال : في كتابك أدب الحياة أشرت لمتطلبات الإنسان المعنوية و الروحية و منها الموسيقى فما رأيك بموسيقى البوب ؟

لا أحبها أقولها بصراحة لأنها تفتقد إلى التناغم يجب أن يكون في الموسيقى تناغم ليعبر عن التناغم الموجود فينا .

الموسيقى المتناغمة تشعرك بالغبطة و الانشراح بينما موسيقى البوب لا تعطيك شيئاً . هذا هو انطباعي إنها نوع من الانحطاط الذي يسيطر على بعض الناس الذين بالحقيقة يعانون من تمزقاتهم في مجتمعهم و حضارتهم و يعبرون عن هذا التمزق بطريقتهم الخاصة .

سؤال : هل هذا تعبير عن معاناتهم ؟

بالتأكيد عندما تسمع موسيقى البوب ترى أن معظم هؤلاء الناس يعانون و لكن لا يعرفون من ماذا .

سؤال : ما هو في نظرك سبب هذه المعاناة ؟

إنهم لا يعرفون الحقيقة يريدون شيئاً ما خاصة و أن الدين لم يعد يتوجه إليهم بشيء .

سؤال : أتعتقد بأنه ضعف الدين أو ضعف الإيمان بالدين ؟

نعم إنه ضعف الدين و ضعف الأخلاق أيضا .. لقد أصبحوا غرباء خاصة و أن النظام التربوي قد أصبح دنيوياً بصورة كبيرة و العلم كذلك . إن هو لم يستوعب جيداً لا بد و أن يوقعهم في مزيد من الضياع . إنها لأشبه بالجحيم ذلك العالم الذي يندفعون فيه . تلك هي الخصائص التي يدعوها الهندوسيون الدور الأخير من الأدوار الأربعة و الذي يسيطر فيه العنف و الجنس باعتبارهما تعبيرين عن رغبة التدمير .

سؤال : ما هي رؤية الهندوسيين للإنسان ؟

رؤيتهم متعلقة بشكل مباشر بكيفية رؤيتهم لله أو المطلق أو البرهمان .

المطلق موجود في كل مخلوق و ليس موجوداً فقط بل هو كل مخلوق هو كل شيء و كل شيء هو . إنه الإنسان , الإنسان الحقيقي أو الأنا الجوهرية هي المطلق هي الله . و لكن الناس لا يدركون هذا بالنسبة لهم و لتفكيرهم الإنسان هو فرد هو نفس و عقل حواس و عواطف . و هو مختلف عن الله الذي خلقه . هذه الثنائية على أي حال ليست موجودة في الحقيقة و عندما يدرك الإنسان هذا يكون قد استنار بما يسميه المسيحيون (الروح القدس ) أو العقل الأرفع .

سؤال : قلت أنه الدور الخير قبل ماذا ؟

قبل انتهاء الذروة و قبل مجيء الإنسان الذي سيعيد الانتظام و حكم الشريعة لأنه سيكون عنده تفهم و وعي روحي لما يجب عمله . و كما كان يقول كريشنا ( عندما لا يعود الدين مطاعاً و لا تحترم القيم أنا نفسي سأتجسد من جديد و بتجل جديد لكي أشير إلى الطريق )

ليست هناك تعليقات: