الأربعاء، نوفمبر 17، 2010

وراء الولادة والموت








الفصل الأول





الذات غير البدن





"يا سليل بْهَرَ َ ت، أن (الروح) التي تقطن البدن قديمة لا تهلك. لذلك، لا حاجة بك للحزن على أي مخلوق".





الخطوة الأولى في تحقيق الذات هي تحقيق الفرد غيرية ذاته وبدنه. تحقيق غيرية الذات والبدن ضروري لكل من يطلب





تخطي الموت ودخول العالم الروحي وراءه. يجب أن يكون العلم بهذه الغيرية حصوليًا وليس مجرد علم نظري. ليس





بالبساطة كما يبدو في باديء الأمر. لقد أصبحنا سجناء البدن بطريقة أو بأخرى مع أننا وعي صفي مغاير. اذا أردنا





السعادة فعلا والاستقلال الذي يتعدى الموت، يجب علينا معرفة الذات والبقاء في مقامنا البنيوي بصفة وعي صفي.





فكرتنا عن السعادة في المفهوم البدني تشبه الهذيان. يدّعي بعض الفلاسفة أن علاج هذيان عينية الذات والبدن هو





الامتناع عن كل نشاط. يدعون بوجوب قطع النشاطات المادية لأنها مصدر شقاء لنا. ذروة الكمال عندهم هي شكل من





أشكال نيرْڤانَ البوذية التي تنقطع فيه النشاطات المؤذية. نادى بوذا أن البدن المادي وليد تركيب العناصر المادية ويزول





سبب الشقاء عند فصل تلك العناصر المادية أو تفككها بطريقة ما. اذا كان جابي الضرائب يسبب لنا كثيرًا من المتاعب





بسبب امتلاكه فأبسط حل هو تدمير بيتنا الكبير. لكن بْهَچََڤدْ چيۤتا تشير إلى أن هذا البدن المادي ليس مجمل الشيء بل





ثمة روح وراء هذا التركيب ودلالتها هي الوعي.





لا مجال إلى انكار الوعي. البدن دون وعي هو جثة هامدة. لا يخفى على أحد أن الفم لن ينطق والعين لن ترى والأذن





لن تسمع في غياب الوعي. لا شك بضرورة الوعي لحركة البدن. وما هو هذا الوعي؟ الوعي دلالة الروح كما أن





الحرارة أو الدخان دلالة النار. تتولد طاقة الروح أو الذات بصورة الوعي. في الحقيقة، الوعي هو دلالة حضور الروح.





ليست هذه فلسفة بْهَچََڤدْ چيۤتا فحسب بل مجمل الأسفار الڤِدية أيضًا.





أهل وحدة الوجود اللاشخصية المطلقة من اتباع َ شنْكَراشارْيا بالإضافة إلى الڤايشَْنَڤزْ التابعين للسلسلة المريدية





المتحدرة من الرب شْريّ كْرِشْنَ، يعترفون بالوجود الواقعي للروح على خلاف البوذية. يقول البوذيون أن الوعي وليد





تركيب العناصر المادية عند مرحلة معينة لكن تلك الحجة مردودة بحقيقة أننا لا نستطيع توليد الوعي من العناصر





المادية على الرغم من توفرها. جميع العناصر المادية موجودة في الجثة لكننا لا نستطيع بعث الوعي فيها. البدن ليس





مثل الآلة التي يمكن استبدال أي قطعة منها عند تعطلها لتعود إلى العمل. ليس هناك امكانية استبدال القطعة المتعطلة





وبعث الوعي عندما يتداعى البدن ويفارقه الوعي. الروح غير البدن وتدب الحياة فيه ما دامت تعمره الروح لكن ليست





هناك امكانية جعل البدن يتحرك في غياب الروح.





نحن ننكر الروح نتيجة قصورنا عن الشعور بها بحواسنا الكثيفة. في الحقيقة، ثمة أشياء كثيرة نقصر عن رؤيتها. لا





يمكننا رؤية الهواء أو موجات الراديو أو الصوت ولا يمكن أن نشعر بالجراثيم الدقيقة بحواسنا الكليلة لكن هذا لا يعني





عدم وجودها. بمساعدة المجاهر والآلات الأخرى، يستطيع الإنسان رؤية العديد من الأشياء التي كان ينكر وجودها





بحواسه الناقصة. يجب أن لا نستنتج عدم وجود الروح ذرية الحجم لمجرد عدم ادراكها بالأحاسيس أو الآلات حتى





الآن. يمكن الشعور بها بدلالاتها وتأثيراتها.





يشير شْريّ كْرِشْنَ في بْهَچََڤدْ چيۤتا أن الشقاء عائد إلى توحدنا الباطل بالبدن المادي.





"يا ابن كوْنتيّ، ان الظهور الزائل للسعادة والشقاء على التوالي واختفاءهما بمرور الوقت، يماثل ظهور وإختفاء فصلي





الشتاء والصيف. انهما يتولدان من الادراك الحسي، يا سليل بْهَرَ َ ت، وعلى الإنسان ان يتعودهما دون اضطراب".





قد يشعر الإنسان بالسرور عند لمس الماء في حرارة الصيف لكنه يبتعد عنها عند شعوره ببرودة فصل الشتاء. الماء





هي هي لكن يختلف شعورنا بها في الحالتين.





جميع مشاعر الشقاء والسعادة عائدة إلى البدن. يتفاوت شعور البدن والعقل بالشقاء والسعادة بتفاوت الظروف. في





الواقع، نحن لا نطلب سوى السعادة لأن الروح سعيدة الجوهر. الروح الجزئية شق من الروح العظيم صورة العلم





١). في الواقع، اسم كْرِشْنَ غير طائفي بل \ والبهجة والبقاء (سَشْْ شيدْ آَننْدَ ڤيچْرَهَى) كما جاء في بْرَهْمَ- سَمْهيتا ( ٥





يعني اللذة العظمى. لفظة كْرِشْ تعني أعظم ولفظة َن تعني لذة. كْرِشْنَ هو صورة اللذة ونحن نتوق إلى اللذة لأننا شق





منه. قطرة الماء من البحر تحتوي على جميع خواص البحر ونحن نمتاز بخواص الكل الجامع لأننا قدراته الذرية.





الروح الذرية تحرك مجمل البدن للعمل على نحو رائع من وجوه كثيرة على الرغم من ضآلة حجمها. نشاهد كثيرًا من





المدن والطرق السريعة والبنايات الشاهقة والحضارات الكبيرة لكن من أنجز كل ذلك؟ انها من عمل الشعاع الروحي





داخل البدن. اذا كان بإمكان شعاع من الروح تحقيق جميع تلك المنجزات الرائعة فلا يمكننا البدء بتخيل ما يستطيع





الروح الجامع تحقيقه. يشتاق شعاع الروح إلى خواص الكل وهي العلم والبهجة والبقاء لكن هذا الاشتياق محبط بسبب





البدن المادي. وسيلة تحقيق الشعاع الروحي رغبتها واردة في بْهَچََڤدْ چيۤتا.





في الوقت الحاضر، نحن نسعى إلى تحقيق العلم والبهجة والبقاء بواسطة آلة ناقصة. في الواقع، البدن المادي حجر





عثرة في طريق تقدمنا نحو هذه الأهداف مما يعني وجوب تحقيق وجودنا وراء البدن. العلم النظري بغيرية الذات





والبدن لن يفيد في هذا الصدد بل يتعين علينا النأي بأنفسنا دومًا بصفة سادة البدن وليس خدمه. تقوم السيارة بخدمة جيدة





ما دمنا خبراء بقيادتها لكنها تعرضنا للخطر بخلاف ذلك.





البدن مؤلف من الحواس والحواس في جوع دائم إلى المحسوسات. العين ترى شخصًا جميلا وتقول لنا:"أوه، هناك فتاة





جميلة، فتى جميل. هلم نذهب لنرى". الأذن تخبرنا:"أوه، هناك موسيقى جميلة. هلم نذهب لنسمعها". اللسان يقول:"أوه،





هناك مطعم يقدم أطعمة شهية. هلم نذهب لتذوقها". على هذا النحو، تجرجرنا الحواس من مكان لآخر وهذا مبعث





حيرتنا.





"كما تحمل الرياح الهائجة القارب بعيدًا على سطح الماء، في مقدور حاسة واحدة من الحواس التي يتركز حولها العقل





ان تطيح بفطنة الإنسان".





لا مفر لنا من تعلم وسيلة السيطرة على الحواس. كل من اتقن وسيلة السيطرة على الحواس يطلق عليه چُوسْواميّ.





لفظة چُو تعني حواس ولفظة سْواميّ تعني مهيمن. اذن، المهيمن على الحواس يعتبر چُوسْواميّ. يشير كْرِشْنَ أن من





يوحد ذاته بالبدن المادي الزائل يقصر عن تحقيق ذاته الروحية. الملذات البدنية متقلبة ومسكرة ولا نقوى عليها بسبب





طبيعتها المتقلبة. اللذة الفعلية هي لذة الروح وليس البدن. يتعين علينا صياغة حياتنا على نحو يقينا الالتهاء بالملذات





البدنية وإلا يستحيل علينا الترسخ في هويتنا الروحية العلية عن البدن المادي.





"يخلو عزم قضاء الخدمة التتيمية إلى الرب القدير من عقول المغرمين بالملذات الحسية والجاه المادي والمفتونين بهذه





الأشياء".





"تتناول الڤِدَزْ الطباع المادية الثلاثة بصورة رئيسة. تعالَ عن هذه الطباع يا أرْجونَ. تعالَ عنها جميعاً، وتحرر من





الأضداد والقلق لأجل الربح والسلامة، وتأصل في الذات".





لفظة ڤِدَ تعني كتاب علم. هناك العديد من كتب المعرفة التي تتفاوت طبقًا للبلد والبيئة والإنسان. كتب العلم في الهند





تشير إلى الڤِدَزْ. يوجد العهد القديم والعهد الجديد في البلدان الغربية والقرآن عند المسلمين. ما هو غرض هذه





الكتب؟. لا شك ان غرضها هو فهم هويتنا الروحية. غرضها هو تقييد العمل البدني بالأحكام والحدود المعروفة





بالمبادئ الأخلاقية. التوراة على سبيل المثال، تحتوي على الوصايا العشرة المقصودة لتنظيم حياتنا. يجب ضبط البدن





من اجل الوصول إلى أرفع درجات الكمال وهذا غير ممكن دون أحكام وحدود. ربما اختلفت الأحكام والحدود باختلاف





البلد وعقلية أهله وأسفاره ولا يشكل ذلك أهمية كبيرة لأن الأحكام والحدود تتبدل وفقًا للزمان والمكان والإنسان لكن





القاسم المشترك هو التنظيم. كذا، تشرع الحكومات قوانينًا معينة يجب على مواطنيها العمل بها. لا مجال إلى تحقيق





تقدم في المجال الحكومي أو الحضاري دون نظام ما. يقول شْريّ كْرِشْنَ إلى أرْجونَ في النص السابق من بْهَچََڤدْ چيۤتا





أن ضوابط الڤِدَزْ مقصودة لتنظيم الطباع المادية الثلاثة أي الأصالة والحماسة والجهل (ْترايچوَنيا-ڤيشْيۤا ڤِداها). مع





ذلك، كْرِشْنَ ينصح أرْجونَ بالتوطد في مقامه البنيوي الصفي بصفة روح وراء أضداد الطبيعة المادية.





سبقت لنا الاشارة ان تلك الأضداد مثل الحرارة والبرودة واللذة والألم وليدة اتصال الحواس بمحسوساتها. بكلام آخر،





انها وليدة الهوية البدنية. يشير كْرِشْنَ أن المنصرف إلى الملذات والسلطة ينجرف بكلام الڤِدَزْ لطلب الملذات السماوية





لقاء قضاء القربان والإلتزام بالأحكام والحدود. اللذة هي الجوهر الملازم للروح لكن الروح تسعى إلى التلذذ بالمادة





وهذا هو عين الخطأ.





جميع الأحياء متوجهة إلى أغراض الملذات المادية وتتلقى أكبر قدر ممكن من العلوم. يتخصص شخص في الكيمياء





وآخر في الفيزياء أو السياسة أو الفنّ وغيره. يلم كل إنسان بعض الشيء في مجال ما أو كل ما يتعلق بموضوع ما





وهذا ما اصبح معروفًا بالعلم التجريبي لكن يضيع كل هذا العلم حالما نفارق البدن. ربما كان الفرد رجل علم كبير في





عمره السابق لكن يتعين عليه أن يبدأ من جديد بالذهاب إلى المدرسة وتعلم القراءة والكتابة في عمره الراهن. كل ما





نحصله من علم في عمرنا نفقده عند الموت. الواقع أننا نطلب العلم الأزلي لكن تحصيل هذا العلم غير ممكن بالبدن





المادي. جميعنا نطلب المتعة من خلال البدن المادي لكن الملذات البدنية ليست ملذاتنا الباقية بل لذة عابرة متكلفة. يجب





الفهم أننا لن نقوى على تحصيل اللذة الباقية اذا أردنا الاستمرار بتذوق تلك اللذة المتكلفة.





يجب اعتبار البدن حالة سقيمة ولا يقوى المريض على التمتع على الوجه الصحيح. للمثال، المصاب بمرض اليرقان





يجد سكر النبات في غاية المرارة على خلاف صحيح البدن. سكر النبات هو هو في الحالتين لكن يتغير طعمه مع تغير





حالتنا. لن نقوى على تذوق حلاوة الحياة الروحية دون الشفاء من مفهوم الحياة السقيم بل نجدها في غاية المرارة. في





الوقت عينه، نحن نزيد من حدة سقمنا بزيادة التلذذ بالحياة المادية. مريض التيفوئيد لا يقوى على أكل الطعام الخشن





وستسوء حالته الصحية وتهدد حياته إذا أعطاه اياه أحد وتناوله. لا مناص لنا من انقاص متطلباتنا البدنية وملذاتنا إلى





أدنى حد اذا طلبنا الحرية من شقاوة الوجود المادي. في الواقع، اللذة المادية ليست لذة على الاطلاق. اللذة الباقية لا





تنقطع. جاء في كتاب مَهابْهارَتَ أن اليُّوچيۤزْ (يُّوچيُنو) الذين يطلبون الارتقاء إلى الصعيد الروحي يتمتعون (رَمَْنتِى)





بحق لكن متعتهم لا تنتهي (رَمَنْتِى يُّوچينُو ٱَننْتِى). ذلك لأن متعتهم ذات صلة بالمتمتع العظيم (رامَ) شْريّ كْرِشْنَ.





"كون الحكماء يعلمون أنني الغاية القصوى لكل قربان ورياضة، وأنني الرب الأعلى لجميع الكواكب والملائكة، ونافع





جميع الأحياء ومريد خيرها، يدركون السلام، متحررين من براثن الشقاء المادي".





لفظة بْهُوچَ تعني لذة ولذتنا مستمدة من فهم مقامنا بصفة المتاع.





يمكن العثور على صلة مثيلة في العالم المادي بين الزوج وزوجته.





بْهَكْتي ڤيدَنْتَ سْوامي پْرَبْهوپادَ (مناهل الحكمة)

ليست هناك تعليقات: