الثلاثاء، ديسمبر 21، 2010

التأمل والتحكم بالإنتباه ..



التأمل meditation نوع من التفكُّر العميق المديد، يقوده ويشكل محوره منهاج واضح قائم على تركيز ذهني متحرِّر، قدر الإمكان، من الأفكار المسبقة والنماذج الذهنية التقليدية. وهو، من حيث المبدأ، قد يتناول بالتركيز أي موضوع كان، شريطة أن ينكب عليه الذهن بدأب وعناية. كما أنه يتطلب عند المبتدئ (أي القادر على التركيز الذهني التام) بذل طاقة نفسية كبيرة ومجهود منطقي لا يستهان به – تحليلي أولاً ثم تأليفي –؛ الأمر الذي يميِّز التأمل عن "الشرود" الذي يمثل فوضى ذهنية مطبقة من جهة، وعن التداعي الحر الذي تتوالى فيه الأفكار بدون تنظيم أو منهجية واضحين من جهة ثانية.



يدأب المتأمِّل، شيئاً فشيئاً، على تحقيق انتباه داخلي يقظ، وحضور ذهني تام في الآنة الراهنة، تكون فيه الملكة الذهنية فيه في حالة من السكون، تحجم فيها تماماً عن الانصياع لجدول التداعيات، أو لمراكمة الخواطر، وتخف فيها الحاجة إلى تشييد نماذج ذهنية معقدة عن الذات، وصولاً إلى حالة يستغرق فيها الذهن والإدراك كله في وعي جديد، علوي،[20] ويتلاشى فيه تماماً كل نموذج ذهني، كما تزول أصلاً الحاجة إلى بناء نماذج ذهنية لصوغ معرفة المتأمِّل لنفسه وللعالم. في هذا الوعي يزول كل تمييز قائم على النمذجة الذهنية بين "الأنية" و"الهوية"، بين ذات تعرِف وموضوع يُعرَف، بين الراصد والمرصود، بين العقل والطبيعة، فيعي الإنسان أنه والوجود كلَّه من ماهية واحدة.

ليست هناك تعليقات: