الثلاثاء، نوفمبر 13، 2012

من هرمس إلى إفلاطون ...


في رؤيا هرمس خاطبه صوت النور المالئ الكون بأسره و كاشفه بالسر الإلهي : النور الذي تراه هو الروح الإلهي الحاوي كل شيء بالقوة المتضمن رسوم كل الكائنات أما الظلمة فهي العالم المادي العائش فيه بنو الأرض و الضياء المتدفق من الأقاصي هو الكلمة الإلهية .
أما روح الإنسان فحياتها على وجهين : الأول تقلبها في المادة و الثاني ترقيها في النور .
إن الأرواح بنات السماء و سفرها تجربة لها , ففي التجسد تفقد ذكرى نشأتها السماوية و سُكرها بخمرة الحياة في أثناء اعتقالها في المادة ينحدر بها كسيل ناري إلى مواطن العذاب و الهوى و الموت , و ذلك بولوجها السجن الأرضي الذي أنت فيه الآن و تحسب الحياة الإلهية أضغاث أحلام .
إن الأرواح الشريرة المتدنية تبقى معتقلة في الأرض  بأغلال تناسخات مترادفة , أما الأرواح السامية فترتقي إلى الأفلاك العلوية لتحظى من جديد بمرأى الإلهيات و تسعد فيها بقوة ما أحرزت من الإحساس و الإرادة الفعالة المكتسبة في غمرة معاناة الآلام و الأوجاع و مغالبة الأهواء و الشهوات الأرضية و تصبح بذاتها نيرة لأن النور الإلهي موجود في جوهرها و أفعالها .
فثبِّت إذاً قلبك يا هرمس و سكّن روعك عند نظرك إلى الأرواح الصاعدة في معرج الأفلاك العلوية توصلاً إلى الأب الذي منه يبدأ و إليه ينتهي كل شيء منذ الأزل و إلى الأبد .
ثم سبّحت الأفلاك السبعة هاتفة : الحكمة , الحب , العدل , البهاء , العظمة , الخلود .
في هذه الرؤيا تجد يا بني كل شيء و كلما توسعت في إدراكها اتسعت لديك حدودها لأن ناموساً نظامياً واحداً يدير العوالم كلها .
إن الحقائق العظيمة مستورة تحت حجاب السر , و لا يكاشف بالمعرفة التامة إلا من جاز في التجارب التي جزنا فيها .
الحقائق تُعطى على قدر مبلغ العقول و لا يجوز إفشاؤها للضعفاء لئلا يتهوسوا بها و لا للأشرار لئلا يسخروها لعمل الشر , فأحفظها في صدرك , و  انشرها بلسان أعمالك و ليكن العمل قوتك و الناموس سيفك و الصمت ترسك .
-         الكلُّ روح و العالم ذهني .
-         ما هو فوق مماثل لما هو تحت , و ما هو تحت مماثل لما هو فوق .
-         لا شيء ساكن كلُّ شيء يتحرك , كل شيء يتذبذب .
-         كل شيء مزدوج و لكل شيء قطبان . للمماثل و للمغاير معنىً واحد . للقطبين المتعارضين طبيعة واحدة مع تفاوت في الدرجة . الطرفان الأقصيان يلتقيان . جميع الحقائق أنصاف حقائق . جميع المفارقات قابلة للتوفيق بينها .
-         كل شيء يسري في الداخل و في الخارج . لكل شيء أجل . كل شيء يتقدم ثم ينتكس . تمايل الرقاص تراه في كل شيء و قياس تمايله إلى اليمين مساوٍ لتمايله إلى اليسار . الإيقاع ثابت .
-         لكل سبب نتيجة و لكل نتيجة مسبب , كل شيء يحدث وفاقاً لناموس . الحظ ليس إلا ناموساً لم يعرف . مستويات السببية متعددة و لكن لا شيء يفلت من الناموس .
-         لكل شيء جنس و في كل شيء جنسا الذكورة و الأنوثة و الجنس يظهر في جميع المستويات .
أفلاطون
-         الإنسان روح متجسدة تتوق دوماً إلى العود إلى المكان الذي انحدرت منه .
-         تضطرب الروح عند استعمالها الجسد , و يعتريها الدوار لأنها تداخل أموراً من طبيعتها التقلب , و عندما تنظر إلى جوهرها الذاتي فإنها تميل إلى ما هو نقي و أزلي و خالد و تبقى متحدة به و يفارقها التيه و الغرور و الضياع فهو ثابت لا يتغير و هذه حالة في النفس ندعوها الحكمة .
-         يتعذر على الروح ما دامت رهينة الجسد أن تصل إلى الحق بسبب رغبات الجسد و متطلباته , و بسبب الجهل و الخوف لكن بعد الموت و قد تخلصت من حماقة الجسد فإنها تستطيع معرفة جوهر الأشياء لذلك يتمرن الحكماء الحقيقيون على الموت لأن الموت طريق الخلاص .
-         أما الروح النجسة فلا ينقذها الموت من الآلام بل تبقى دائرة حول القبور و الرموس نافرة من عالم الغيب خائفة منه تقاسي العذاب جزاء ما ارتكبت في ماضي حياتها من آثام إلى أن تعود ثانية إلى الأرض في تجسد جديد .
-         بعد موتنا يقتادنا الأرواح الموكول إليها أمرنا في هذه الحياة إلى مكان يساق إليه كل ذاهب لتأدية الحساب و بعد المكث هناك الزمن الضروري تعود ثانية إلى التقمص في جسد جديد .
-         الأرواح تملأ ما بين السماء و الأرض و عن طريقها توحي الأرواح العلوية إلى الإنسان إن في اليقظة أم في المنام لأن الأرواح السامية لا تناجي الإنسان مباشرة .
-         الحكيم لا تهمه هذه الحياة العارضة , بل يهتم بالحياة الأخرى الأبدية فهي اولى بالاهتمام ما دامت الروح أبدية .
-         يبقى في الروح بعد انفصالها عن الجسد كل ما كان للجسد من طبائع و ميول و أفعال , و ليس من بلاء أشدُّ على الإنسان من أن يرحل إلى عالم الغيب و روحه ملطخة بالآثام .
-         لا تقابل الإساءة بالإساءة ولا تُلحق الضرر بأحد و إن أساء إليك من الثمرة تعرف الشجرة .
-         الغنى خطر و بلاء . من أحبَّ المال لم يحب نفسه و ما هو لنفسه بل أبعد عنها كل ما هو لها .
-         لا تُسر الذات الإلهية بالصلوات و الذبائح بقدر ما تُسرُّ بروح فاضلة تبذل جهدها للتشبه بها .

أصوات الفيدا الأولية

إن الأصوات الأولية تلعب دوراً إيجابياً هاماً في تحسين صحة الإنسان الفكرية و الجسدية فما هي إذن هذه الأصوات ؟
تبدأ قصة ألأصوات الأولية في مستوى الحقل الموحد أو الوعي الصافي أي في مستوى الوجود الأحدي  في ذلك السكون اللامتناهي حيث لا يزال العارف و طريقة المعرفة و موضوع المعرفة واحداً حيث الكلُّ موجودٌ و الكل واحدٌ بدون أية ذاتية مميزة .
عندما يدرك الوعي الصافي ذاته تبدأ سلسلة من االتفاعلات الديناميكية الذاتية المرجعية و تولد المظاهر الأولى للتعددية من خلال ظهور مفاهيم العارف و عملية المعرفة و موضوع المعرفة.
تولد في هذه المستوى أنماط و نماذج معقدة من التموجات و الذبذبات المرافقة لانبثاق الحركة من السكون و التعددية من الأحدية .
تشكل هذه التموجات اللطيفة البنية الكوانتية الأولية للوجود المادي التي تبدأ من هذا المستوى ( اللطيف و غير المنظور ) بمتابعة تحولاتها حتى تبلغ مستوى الوجود المادي الكثيف حيث تصبح بنى مادية منظورة و محسوسة و مختلفة الأنواع و الأحجام و الوظائف .
تطلق الأيورفيدا على هذه التموجات و النبضات الأساسية إسم أصوات الفيدا الأولية و ذلك لأن تلك التموجات يتم سماعها على شكل أصوات في داخل حقل الذكاء الصافي الذي يعتبر أعمق مستوى للحدس المباشر و المعرفة الذاتية .
أدرك الحكماء المتنورون  منذ القدم تلك التموجات و الاهتزازات أثناء غوصهم العميق في الوعي الصافي , أدركوها على شكل أصوات تتردد في عمق ذواتهم المتواجدة في ذلك المستوى الرفيع و من ثم قاموا بنقلها إلى مستوى اللغة المسموعة مستعملين الألفاظ السنسكريتية و الإيقاعات و الأنغام الأكثر مشابهة لها في سبيل نقل الصورة المطابقة لها إلى مستوى الإدراك السمعي العادي.
تمثل ألأصوات الأولية قوانين الطبيعة الأساسية فور انبثاقها من الوعي الصافي و تشكل الهيكل الرئيسي للمعرفة الفيدية الصافية المحتواة في شمولية الفيدا .
تناقل الحكماء هذه الأصوات الأولية جيلاً بعد جيل بواسطة الحفظ و توارثوا تلقينها و تلاواتها البالغة الدقة بواسطة البانديت و هم الأشخاص الذين يتفرغون للتأمل و حفظ و تلاوة هذه الأصوات بالنغم و الإيقاع و اللحن المطلوب بطريقة لا تقبل الخطأ و ذلك لأنهم يدركون أن هذه الأصوات تمثل الاختلاجات الأولى لكافة أشكال الحياة في المستوى الأعمق للوجود .
تعتبر الأيورفيدا أن الإنسان يرتبط بالوعي الصافي الذي يشكل مرجعيته الأساسية بواسطة ما يمكن تشبيهه بأسلاك دقيقة خفية ذات ذبذبة لطيفة جداً هي الأصوات الأولية .
يلعب الإصغاء إلى الأصوات الأولية دوراً هاماً في حثِّ الجسم الكمي أو الكوانتي على المسارعة إلى تصحيح الخلل الواقع في المستوى الكوانتي مما يؤدي لاحقاً إلى إصلاح الخلل المقابل له في البنى المادية الكثيفة و ذلك لأن الاستماع إلى تلك الذبذبات الأساسية  يشكل جرعة تذكيرية للجسم الكوانتي  و إنعاشاً لذاكرته بخصوص كيفية الأداء الصحيح وفقاً للبرنامج الأصيل القادم من مستويات الوعي التي لا يطالها الخلل .
يقول خبراء الأيورفيدا أن الأشخاص الذين يستمعون إلى الأصوات الأولية يعيدون إحياء تلك الموجات الأساسية في وعيهم الذاتي , مما يعود بالفائدة على الجسم و العقل معاً و ذلك لأن كلاهما يتعاملان أيضياً أي غذائياً مع ذلك النوع من الغذاء اللطيف .
يصعب على من لا يرى من الحياة إلا مستواها المادي الظاهر أن يستوعب مسألة تأثير الأصوات الأولية الإيجابي على الصحة و ذلك بسبب جهله لتركيبة الوجود الكوانتية و رفضه لفكرتها من حيث المبدأ .
يقول خبراء الأيورفيدا بأن المستويات الكوانتية  اللطيفة المستترة تحكم نشاط كافة المستويات المادية الظاهرة و أن حدوث أي خلل في البنية الكوانتية يليه نشوء خلل مقابل في البنى المادية التابعة لها وبالتالي فإن إعادة الوتيرة الصحيحة لذبذبة البنية الكوانتية يليها تلقائياً إصلاح الخلل الواقع في البنية المادية الموازية لها .
قد يكون من المفيد أن نحاول تبسيط مسألة تأثير الأصوات الأولية على الصحة بواسطة مثال الذبذبات الفوق الصوتية و إن كان موضوعها مختلف كلياً عن موضوع الأصوات الأولية و لكنه مثال يمكنه إعطاء فكرة عن التأثيرات المادية للأصوات المسموعة و غير المسموعة .
تستخدم الذبذبات فوق الصوتية في عيادات أطباء الأسنان لتفتيت الجير الصلب المتراكم حول الأسنان و في عمليات تعقيم المواد و الأدوات الطبية الجراحية و لمعالجة التهابات العضلات و المفاصل و يكمن الفارق بين الذبذبات المذكورة و الأصوات الأولية في أن الذبذبات فوق الصوتية تمارس فعلها مباشرة على البنى المادية بينما تمارس الأصوات الأولية فعلها على البنية الكوانتية ليظهر لاحقاً تأثيرها على البنية المادية .
و يعزو خبراء الأيورفيدا تأثيرات الأصوات الأولية الإيجابية على الصحة إلى كون الأصوات نابعة من مستوى الوعي الصافي أو الحقل الموحد لكافة قوانين الطبيعة و بما أن هذا الحقل فائق التماثل و في حالة توازن كاملة فإن تجربة هذه الأصوات النابعة منه مباشرة تجلب توازناً أكبر إلى السيكوفيزيولوجيا .
يتفق هؤلاء الخبراء على أن أكثر ألأصوات الأولية نقاء و أعمقها تأثيراً هي تلك العائدة إلى الرك فيدا لأن الفيدا الرك تمثل المعرفة الصافية الأساسية و شيفرة الخلق أو الدستور الكوني الحاوي على قوانين الطبيعة بأشكالها الأكثر أولية و جوهرية , إذ يمثل كل مقطع لفظي أو صوتي من الرك فيدا شيفرة قانون طبيعي معين و كذلك هو حال تسلسل تلك المقاطع و الفراغات التي تفصل بينها و العلاقات الرياضية الدقيقة التي تربطها ببعضها البعض .
توجد عدة طرق للاستماع إلى الأصوات الأولية إذ يمكن الإصغاء إليها لدى تلاوتها مباشرة من البانديت أو الاستماع إلى تسجيلاتها على شرائط الكاسيت كما يمكن لمن يريد أن يتعلم تلاوة مقاطع معينة منها يقوم بتلقينه إياها خبير في هذه الأصوات لكي يعاود ترديدها شخصياً عندما يرغب بذلك كما يمكن أخيراً ترديد الأصوات الأولية فكرياً في داخل الذات و هذه الطريقة تجعل تأثيرها أقوى مما هو في حالة الاستماع بواسطة الأذن .
ملاحظة :
إن الاستماع إلى الأصوات الأولية يتطلب الإصغاء إلى الصوت كصوت فقط من دون محاولة ربط ما يتم سماعه بأية معان لغوية , أي يفترض أن تتم متابعة اللفظ و اللحن و النمط الإيقاعي بهدوء و براءة لأن ذلك كاف للحصول على التأثير المنشود كاملاً غير منقوص .




من  " كتاب الإنسان  " بقلم مجموعة من الحكماء

ليست هناك تعليقات: